ووترغيت : أكثر الفضائح السياسية إثارة في التاريخ الحديث

مايو 3, 2025 - 16:58
مايو 3, 2025 - 17:06
 0  1
ووترغيت : أكثر الفضائح السياسية إثارة في التاريخ الحديث
فضيحة ووترغيت التي أطاحت برئاسة نيكسون، وتأثيرها على الديمقراطية، مع تفاصيل دقيقة ودروس للحكام و للشعوب

في 17 يونيو 1972، شهد العالم بداية واحدة من أكثر الفضائح السياسية إثارة في التاريخ الحديث، فضيحة ووترغيت. هذه الأزمة، التي بدأت باقتحام بسيط لمبنى في واشنطن، كشفت عن شبكة معقدة من الفساد وإساءة استخدام السلطة، مما أدى إلى استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون. لكن ووترغيت لم تكن مجرد فضيحة، بل كانت درسا عميقا في أهمية الشفافية والمساءلة في الأنظمة الديمقراطية، خاصة للشعوب التي تعاني من غياب الديمقراطية الحقيقية.

بداية الفضيحة: اقتحام ووترغيت

في ليلة 17 يونيو 1972، ألقت الشرطة القبض على خمسة رجال داخل مجمع ووترغيت، وهو مبنى يضم مكاتب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. كانوا يحملون أجهزة تنصت وكاميرات وأدوات أخرى تشير إلى عملية تجسس. في البداية، بدا الأمر وكأنه جريمة عادية، لكن التحقيقات كشفت أن هؤلاء الرجال كانوا مرتبطين بحملة إعادة انتخاب نيكسون، المعروفة باسم "لجنة إعادة انتخاب الرئيس" (CRP).

كان من بين المقتحمين أشخاص لهم صلات وثيقة بالبيت الأبيض، مثل جيمس مكورد، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) وعضو في لجنة إعادة انتخاب نيكسون. كما تبين أن التمويل لهذه العملية جاء من مصادر مرتبطة بحملة نيكسون، مما أثار تساؤلات حول مدى علم الرئيس ومستشاريه بهذه الأنشطة غير القانونية.

دور الصحافة: وودوارد وبيرنستين

لم تكن فضيحة ووترغيت لتتكشف لولا جهود الصحفيين بوب وودوارد وكارل بيرنستين من صحيفة واشنطن بوست. بدأ الثنائي تحقيقهما بتتبع الأدلة المالية، واكتشفا أن الأموال المستخدمة في الاقتحام جاءت من صندوق سري تابع لحملة نيكسون. ساعدهما في ذلك مصدر سري أطلقوا عليه اسم "الحلق العميق"، والذي تبين لاحقا أنه مارك فيلت، نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).

أهمية المصادر السرية

كان "الحلق العميق" يقدم توجيهات دقيقة دون الكشف عن تفاصيل مباشرة، مما ساعد وودوارد وبيرنستين على ربط الاقتحام بمسؤولين كبار في البيت الأبيض، بما في ذلك جون ميتشل، المدعي العام السابق ومدير حملة نيكسون. هذا الدور يبرز أهمية الصحافة الاستقصائية في كشف الحقائق في الأنظمة التي قد تحاول الحكومات فيها التستر على الفساد.

التسجيلات الصوتية: القنبلة التي أسقطت نيكسون

مع تقدم التحقيقات، ظهرت أدلة دامغة في شكل تسجيلات صوتية من مكتب نيكسون الرئاسي. كان نيكسون قد ركب نظام تسجيل سري في المكتب البيضاوي لتوثيق محادثاته، لكن هذه التسجيلات أصبحت سلاحا ضده. كشفت التسجيلات، التي أطلق عليها اسم "شريط التدخين"، أن نيكسون حاول التستر على الفضيحة منذ أيامها الأولى، بما في ذلك توجيه تعليمات لعرقلة تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي.

حاول البيت الأبيض منع تسليم التسجيلات بدعوى "الامتياز التنفيذي"، لكن المحكمة العليا الأمريكية أمرت في يوليو 1974 بتسليمها. كانت هذه لحظة حاسمة، إذ أظهرت التسجيلات أن نيكسون كان على علم بالعمليات غير القانونية وحاول التلاعب بالعدالة.

الاستقالة: نهاية رئاسة نيكسون

مع تراكم الأدلة وتهديد الكونغرس بإجراءات العزل، أدرك نيكسون أن موقفه أصبح غير قابل للدفاع. في 8 أغسطس 1974، ألقى خطابا متلفزا أعلن فيه استقالته، ليصبح أول رئيس أمريكي يترك منصبه قبل انتهاء ولايته. في اليوم التالي، تولى نائب الرئيس جيرالد فورد الرئاسة، وأصدر عفوا مثيرا للجدل عن نيكسون، مما منعه من مواجهة اتهامات جنائية.

أدت استقالة نيكسون إلى انخفاض حاد في ثقة الأمريكيين بالحكومة. في بلدان تفتقر إلى الديمقراطية الحقيقية، يمكن أن تكون مثل هذه الأحداث درسا في أهمية وجود نظام يسمح بمحاسبة القادة، حتى لو كانوا في أعلى المناصب.

تقدم فضيحة ووترغيت دروسا قيمة للشعوب التي تسعى إلى بناء ديمقراطيات قوية. أولا، أظهرت أهمية الفصل بين السلطات، حيث لعبت المحاكم والكونغرس دورا حاسما في مواجهة إساءة استخدام السلطة. ثانيا، كشفت عن قوة الصحافة الحرة في كشف الفساد. ثالثا، أدت إلى إصلاحات مثل قانون تمويل الحملات الانتخابية لعام 1974، الذي فرض قيودا على التبرعات السياسية للحد من الفساد.

لماذا تهم ووترغيت اليوم؟

في الدول التي تعاني من غياب الديمقراطية، غالبا ما يتم قمع الصحافة، وتكون المحاكم خاضعة للسلطة التنفيذية، مما يجعل كشف فضائح مثل ووترغيت شبه مستحيل. تظهر هذه الفضيحة أن الديمقراطية تتطلب مؤسسات مستقلة ومجتمعا مدنيا قويا يمكنه محاسبة الحكام.

حتى اليوم، تظل ووترغيت رمزا لخطر التجاوزات الحكومية، وتحذيرا من أن الديمقراطية هشة إذا لم تكن محمية بيقظة المواطنين. إنها قصة عن قوة الحقيقة، وكيف يمكن لأفراد عاديين، مثل الصحفيين والمواطنين المطالبين بالشفافية، تغيير مجرى التاريخ.

المصادر: واشنطن بوست، الأرشيف الوطني الأمريكي، مكتبة الكونغرس، كتاب "كل رجال الرئيس" لكارل بيرنستين وبوب وودوارد